السؤال
ما حكم بناء القباب والمقامات والمشاهد على قبور و أضرحة من اشتهر بين الناس بالصلاح أو العبادة؟ وما حكم هدمها وإزالتها؟
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه إلى يوم الدين، أما بعد:
أولاً: كرَّم ديننا الحنيف المسلمَ ميتاً كما كرَّمه حياً، فأمر بتغسيله وتطييبه وتكفينه، ثم الصلاة عليه ومواراته في القبر. كما نهى عن امتهان القبور، فحرَّم المشي أو القعود عليها، ودعا إلى زيارتها، والسلام على أهلها، والدعاء لهم.
كما حَرِص الدين القويم على عقائد الناس وتوحيدهم، فسدَّ أبواب الفتنة ومنع ما يؤدي إلى الغلوِّ في القبور أو أصحابها، فنهى عن الصلاة في المقابر، وتشييد البناء والمشاهد والقباب عليها، كما أمر بتسوية القبور المشرفة، وأرسل نبي الإسلام _صلى الله عليه وسلم_ والرُّسل في ذلك .
ثانياً: قد تواتر عن أهل العلم النهي عن البناء على القبور:
وقال القرطبي _رحمه الله_ في "تفسيره":" فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز".
وقول بعض أهل العلم (مكروه) محمولٌ على التحريم، كما هي عادتهم في تسمية المحرم مكروهًا قبل استقرار المصطلحات ، وهَبْ أن البناء على القبور كان مكروهاً، فهل حِرصُ الناس عليه وإنفاقُ الأموال لأجله، ودفاعهم عنه ضدَّ من يتعرض له دليل على كراهيتهم له، أم علامة على أن القلوب قد أُشربت حبه والنفوس تعلقَّت به؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثالثاً: فإذا تبين حرمة بناء المشاهد والقباب على القبور، فالواجب إزالتها متى وجدت،
1_ وقال الإمام الشافعي _رحمه الله_ في كتاب" الأم":"وقد رأيت من الوُلاة مَن يَهدم بمكَّة ما يُبنى فيها، فلم أَرَ الفقهاءَ يَعيبونَ ذلك".
2_ وقال ابن كثير _رحمه الله_ في "تفسيره": "وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب_رضي الله عنه_ أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يُخفى عن الناس، وأن تُدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده"؛ وذلك حفاظاً على عقائد الناس وتوحيدهم، حيث أن أهل فارس كانوا يغلون فيه، فأمر_رضي الله عنه_ بإخفائه خشية الغلو فيه مرة ثانية.
رابعاً: إلا أنَّ هدم هذه المشاهد والأبنية وإزالتها مشروط بألا يؤدي هدمها إلى منكر أعظم منه، فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان كثيراً ما يترك الأمر، وهو يحب أن يأتيه، مخافة أن يؤدي إلى فساد أكبر.
قال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري": "ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة".
والناظر لحال البلادِ التي تنتشرُ فيها تلك القباب والأضرحة يُدرك أن في الاستعجال بهدمها مفاسد عظيمة، فطوائف من الناس متعلقون بها أشدَّ التعلُّق، ويرون تعظيمها من الدين، فهدمها قبل تبيين أمرها سيزيد من التعلُّق بها والتعصب لها، وسيستعدي المجتمع على الدعاة المصلحين بما يؤدي إلى كُرههم والتنفير منهم، وفي هذا من الصد عن سبيل الله ما فيه. فلا بد أن يسبق ذلك النصحُ والبيانُ للناس حتى يتمكن الإيمان من القلوب.
وتحقيقُ هذا المقصود لا يكون إلا بأخذ الناس بالرفق والتدرُّج بعد عقودٍ طويلةٍ من التجهيل والبعد عن الدين، وهذا أمر معلوم من سيرة أهل العلم رحمهم الله تعالى..
*وجاء في "البيان والتحصيل": "سئل الإمام مالك _رحمه الله تعالى_ عن الرقيق العجم، يُشترون في شهر رمضان، وهم لا يعرفون الإسلام، ويرغبون فيه، لكن لا يفقهون ما يُراد منهم، فهل يُجبرون على الصيام أم يُطعمون؟ فقال: أرى أن يُطعموا ولا يُمنعوا الطعام، ويرفق بهم حتى يتعلموا الإسلام، ويعرفوا واجباته وأحكامه ".
لذا فإننا نرى -في هذا الوقت- عدم الاستعجال بهدمها أو إزالتها، والانصراف بدلاً من ذلك إلى تعليم الناس الدين الصحيح، وتحذيرهم من هذه البدع وآثارها على الدين.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبصرنا وإخواننا من طلبة العلم بواجبهم العظيم في نصح هذه الأمة، وتذكيرها بما هو خيرٌ وصلاحٌ ونجاةٌ لها في الدنيا والآخرة، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
الطالبات: ريناد الوداني ، بشاير الثبيتي ، شوق العمري ، شموخ فايع ، غيداء الحميدان .(٣-٢ علمي).