طاعة ولاة الأمر فيما وضعوه من أنظمة لرعاية مصالح الرعية
كاتب الموضوع
رسالة
ربا الغامدي 3/1 زائر
موضوع: طاعة ولاة الأمر فيما وضعوه من أنظمة لرعاية مصالح الرعية الجمعة 6 نوفمبر - 23:11:54
أولاً : وجوب طاعة ولاة الأمور من منهج أهل السنة والجماعة
الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ النساء: ٥٩]، وأولو الأمر هم الأمراء على الصحيح من أقوال أهل العلم .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم: الولاة على الناس، من الأمراء، والحكام، والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم، إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله، ورغبة فيما عنده. ولكن بشرط، أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك، فلا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق.
أيها المتقون الأبرار: إن القارئ لأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وما ذكره مِن تتابع الفتن، لَيَعلم صدقَ نبوته، وحرصَه على الخير لأمته، فما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرنا منه. ويدل على هذا أحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها الآمر بالطاعة، ومنها الناهي عن المخالفة، ومن ذلك ما يلي:
الأمر بالطاعة وإن ظهر منهم معصية: ومما أرشد إليه في آخر الزمان وعند تغير الأحوال التمسكُ بكتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم، وطاعةُ مَن ولاه الله عليكم في المعروف، وإنْ حصل منهم تقصير أو ظلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ) أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ (.
التحذير من خطر الخروج على الحاكم: كما يجدر التنبيه إلى أنه يجب أن يعتقد المسلم أن له إمامًا، وأن له أميرًا يدين الله له بالطاعة في غير معصية الله. فإنه مَن مات وليس له إمام، فإنه يموت ميتةً جاهلية والعياذ بالله. وقال: ) مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً (.
وهو عند الحاكم في المستدرك بلفظ: ) من فارق الجماعة واستبدل الإمارة لقي الله ولا حجة له عنده (.
وكان السلف الصالح لا يخرجون على حكامهم ولو كانوا على مذهب مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في عهد الواثق إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فمنعهم الإمام أحمد من ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح برٌّ أو يستراح من فاجر، وقال: ليس هذا بصواب هذا خلاف الآثار.
وقال الطحاوي في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم فإن طاعتهم من طاعة الله عز وجل، فريضة ما لم نؤمر بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة.
أمر بأداء الواجبات نحوهم وإن ظلموا ومنعوا الناس حقوقهم: فليست طاعة الأمير مقصورة على العادل منهم فحسب، بل حتى ولو كان فيه شيء من الجور والظلم وبخس شيء من الحقوق فتجب طاعته في غير معصية الله، ودل الشرع على طاعة هذا الصنف من الأمراء لما فيها من المصلحة للمسلمين، فجوره وظلمه وفسقه على نفسه سيحاسب عليه، والأمة مسئولة عن واجبها نحوه ومن ذلك الواجب الطاعة له، السمع والطاعة هي للأمير الفاجر كما هي للأمير التقي .
وقال صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر مَن أدرك منا ذلك؟ قال: ) تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ (.
قال النووي: وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه.
وقال الطيب: أي لا تقاتلوهم باستيفاء حقكم ولا تكافئوا استئثارهم باستئثاركم بل وفروا إليهم حقهم من السمع والطاعة وحقوق الدين وسلوا الله من فضله أن يوصل إليكم حقكم من الغنيمة والفيء ونحوهما وكلوا إلى الله تعالى أمركم والله لا يضيع أجر المحسنين.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، وعدم الإثارة عليهم، وما ذاك إلا لأن الخروج على الولاة يسبب فسادًا كبيرًا، وشرًّا عظيمًا، فيختلّ به الأمن، وتضيع به الحقوق.
فهذا الحديث وما في معناه يدل على وجوب الطاعة بالمعروف لولي الأمر، وإن منع بعض الحقوق، واستأثر ببعض الأموال، بل ولو تعدى ذلك إلى الضرر بالجسم أو المال ونحوه من الأمور الشخصية، فعلى المؤمن القيام بما أوجبه الله عليه من الطاعة، وأن يحتسب حقه عند الله عز وجل، وذلك سدًا لباب الفتن والمصائب على الأمة.
ولهذا كان من مذهبِ أهل السنة والجماعة أنهم: لا يرون الخروجَ على الأئمة وقتالَهم بالسيف، وإن حصل منهم ظلم أو تقصير. كما أنه ليس من منهج أهل السنة التشهيرُ بعيوب الولاة على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف. وكانت طريقة السلف النصيحة فيما بينهم، ويكفي إنكار المنكر والمعاصي الحاصلة والتحذير منها من غير أن يُذكَر فاعلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته. والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان، ولا أمر بقتال الباغين ابتداء، بل قال: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ﴾[الحجرات:٩]، فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء فكيف يأمر بقتال ولاة الأمر ابتداء. ا.هـ.
وقال البربهاري: ليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين.
فلم يرخص الشارع بالخروج عليهم إذا لم يسمعوا للنصيحة بل أمر بالصبر عليهم وأخبر أن الإثم عليهم، ومن نصح لهم وأنكر بالطريقة المشروعة فهو بريء من الذنب.
ثانياً : طاعة الحاكم واجبة فيما يضعه من نظم( ومنها نظام المرور):
وهي نتيجة حتمية عقلية، إذ لو لم تلزم طاعته فيما ينظر لكان وضعه لها باباً من العبث وضياع الوقت مقابل مصلحة المجتمع وأمنه.
إن وجوب هذه الطاعة مستمد من القرآن الكريم، مصدر التشريع ومنهل الأحكام، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[5].
قال ابن العربي: حقيقة الطاعة هي : امتثال الأمر، كما أن المعصية ضدها، وهي مخالفة الأمر . وقال أيضاً في بيان الآية: والصحيح عندي أنهم - أي أولي الأمر - الأمراء والعلماء[6].
ولا شك أن التقيد بنظام المرور داخل في وجوب الطاعة، لأنه لم يوضع إلا لمصلحة الفرد والمجتمع،وحفاظاً على أرواح الناس وأموالهم، فهو لازم التنفيذ من الرعية[7]. ومصدر هذا اللزوم النصوص الشرعية، ومنها الآية والحد المذكوران، وبالتالي تكون المخالفة لهذه الأنظمة معصية تستحق العقوبة المنظمة بحسب نوع المخالفة وطبيعتها وخطورتها، ويرجع تقدير ذلك إلى الحاكم.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي قراره رقم ( 75/2/د8 ) المتضمن أن المجلس نظر إلى تفاقم حوادث المرور، فقرر ما يلي:
الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناء على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل هذه الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال بما تقتضيه المصلحة أيضاً من سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور، لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى، أخذاً بأحكام الحِسبة المقررة[8].